قراءة سياسية لقرار المحكمة العليا إلغاء حق الإجهاض في الولايات المتحدة الأمريكية

قراءة سياسية لقرار المحكمة العليا إلغاء حق الإجهاض في الولايات المتحدة الأمريكية

بعد خمسين سنة من إقرار حق الإجهاض في أمريكا من قبل المحكمة العليا، تتراجع نفس المحكمة وتصدر قرار بإلغائه لماذا؟

أصدرت المحكمة العليا الأمريكية حكماً يقضي بإلغاء حق الإجهاض في الولايات المتحدة الأمريكية هذا اليوم. وتعتبر المحكمة العليا الأمريكية أعلى هيئة قضائية في الولايات المتحدة الأمريكية، ويعد هذا القرار من وجهة نظر المدافعين عن الحريات، وحقوق الإنسان تراجع كبير لهذه الحقوق.

الرئيس بايدن بدوره وصف قرار المحكمة العليا باليوم الحزين في الولايات المتحدة الأمريكية. كما إنتقدت وزارة العدل الأمريكية صدور هذاالقرار، فيما نفذ أعضاء الكثيىر من المنظمات التي تعنى بالحريات وحقوق الإنسان خروجاً وتجمعات في الشوارع الأمريكية تنديداً بهذا القرار.

يذكر أنه في عام 1973 أصدرت المحمكة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية قرار يقضي بحق الإجهاض في الولايات المتحدة الأمريكية، ومنذ ذلك التاريخ لم يك يوجد أي معارضة حقيقية لهذا القرار، ولكن ومن حين تولي الرئيس ترامب لمنصبة كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية إزداد معارضة حق الإجهاض، وخاصة وسط أتباع تيار اليمين والمحافظين، بينما ظل الديمقراطيون يؤيدون إستمرار قرار حق الاجهاض.

الرئيس ترامب في عهد حكمه شجع تطلعات ومطالب تيار اليمين في الولايات المتحدة في تمرير مطالبهم، وقوننتها ومحاولة إلغاء كافة القوانيين التي تعيق تطبيق القيم والمبادئ التي يؤمنون بها، والعمل على إلغاء ما تم إقراره مسبقاً من قوانين تعارض هذه القيم وهذه المبادئ، وعلى ذالك قام الرئيس ترامب بتعيين 3 من القضاة من الذين ينتمون إلى تيار اليمين في المحمكة العليا، إلى جانب القضاة الذين ينتمون لهذا التيار في المحكمة فأصبحوا يشكلون أغلبية في هذه المحكمة.

وتحت شعارات دعم حق الحياة، يحرص تيار اليمين المتطرف بالدفاع عن معارضته بإلغاء حق الإجهاض، بينما في رأيي يخفي هذا الشعار كثير من المخاوف وسط هذا التيار، من ذهاب الولايات المتحدة الأمريكية نحو وقوعها في معاناة كبيرة ستعانيها الدولة الأمريكية من النقص الشديد في السكان، والأيدي العاملة وخاصة وسط قطاع الشباب من سكان الولايات المتحدة الأمريكية مستقبلاً.

أين المشكلة الحقيقية؟

هل حق الإجهاض يؤثر سلباً على المستقبل السياسي والعسكري والاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية؟

بإعتقادي هذا ما يؤمن به كثير من الكتاب والمفكرين الاستراتيجيين الأمريكيين، الذين أوردوا هذه المخاوف في كثير من كتبهم وعلى رأسهم “دكتور جورج فريديك فريدمان المفكر الاستراتيجيK في كتابه إستشراف الـ 100 عام القادمة من القرن 21″، والذي ركز على المشكلة السكانية التي سوف تعانيها الولايات المتحدة الأمريكية مستقبلاً، والتي ستؤثر بشكل خاص على التالي:

أولاً:

على النقص في تعداد الجيش الأمريكي.

وثانياً:

على النقص الشديد في العمالة المشتغلة في قطاعات الاقتصاد الأمريكي الزراعية والصناعية، وغيرها والتي ستؤثر بشكل شديد على نمو الاقتصاد الأمريكي.

ثالثاً:

هذا الأمر سيجر على الولايات المتحدة الأمريكية كارثة أمنية وسياسية في تدفق العمالة من الخارج لسد النقص، وخاصة من دولة المكسيك المجاورة، مما سيؤدي إلى إحداث تغير كبير في التوزيع الديمغرافي للسكان في الولايات الجنوبية الأمريكية، والتي كانت جزء من الأراضي المكسيكية قبل ضمها من قبل حكومة الولايات المتحدة إلى أراضيها قبل القرن الماضي تقريباً، كما جاء في كتاب المفكر الأمريكي الاستراتيجي جورج فريدريك فريدمان. والذي تنبأ أيضاً وتوقع في كتابه بحدوث حرب كبيرة ستندلع بين المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية مستقبلاً، تكون هذه الولايات الجنوبية الأمريكية هي الصاعق المفجر لهذه الحرب.

وهناك أيضاً الكثير من الدراسات التي صدرت في هذا الجانب عن مراكز أبحاث أمريكية معظمها تؤيد مثل هذه المفاهيم والأفكار وما ذهب إليه فريدمان.

ولا ننسى أن الرئيس الأمريكي ترامب كان من ضمن أول قراراته السياسية إنشاء وبناء جدار عازل على طول حدود أمريكا مع المكسيك.

وعليه يمكن القول إن توقيت صدور قرار المحكمة العليا بإلغاء حق الإجهاض ليس مفاجئاً، وإنما يتناسب مع مايعانيه الأمريكيون من مخاوف إزاء هذه الدراسات والتحذيرات، وخاصة من قبل تيار المحافظين واليمين الأمريكي.

كما يتزامن أيضاً هذا القرار مع الشعور الأمريكي بالقلق والخوف من تداعيات إنتزاع سيادتهم العالمية على عرش النسق الدولي وتحوله إلى نظام ثنائي أو متعدد الاقطاب، وهو ما تفرضه وفرضته مسار الأزمة الأوكرانية على مستقبل النسق الدولي، والإنجرار المتصاعد لواشنطن ودول حلف الناتو في مستنقع الحرب الروسية الأوكرانية، لتتحول تدريجياً نحو الذهاب إلى حرب روسية أمريكية بطريقة غير مباشرة على الأرضي الأوكرانية، وحجم التداعيات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية والعسكرية التي ستحدثه هذه الحرب على واشنطن والناتو، على كل المستويات وما سيسفر عليه الشكل الجديد في تقاسم النفوذ الدولي.

التوقعات:

  1. يعتبر صدور هذا القرار في عهد حكم الحزب الديمقراطي من ضمن الإشارات التي تؤشر إلى أن الحزب الجمهوري الأمريكي والمدعوم من تيار اليمين سيفوز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، وأن حظوظ الديمقراطيين الاستمرار بالحكم ضئيلة.
  2. أتوقع أيضاً بإستمرار مزيد من صدور مثل هذه القرارات، والأحكام التي تعزز مفاهيم قيم ومبادئ تيار اليمين، والتي تسعى إلى مايسمى المحافظة على قوة وهيمنة أمريكا على العالم حسب إدعائهم، وحتى لو كانت على حساب الحقوق والحريات وحقوق الإنسان، وخاصة في ظل الأوضاع الراهنة التي تعصف بالعالم.

Comments are closed.