معظم معاناة شعوب الساحل الأفريقي سببه السياسة الفرنسية فهل سيعيد الفرنسيون تصحيحها؟

معظم معاناة شعوب الساحل الأفريقي سببه السياسة الفرنسية فهل سيعيد الفرنسيون تصحيحها؟

وهل لملف تجارة الذهب الأفريقي علاقة بالمحادثات الإماراتية الفرنسية التي تعقد في باريس؟

عرضت القناة الفرنسية 24 البارحة في برنامج مراسلون، في الساعة الـ7 مساء بتوقيت جرينتش تقريباً، فيلم وثائقي يتناول ويرصد، ويتتبع عملية إستخراج الذهب من المناجم التقليدية المحلية الخارجة عن الرقابة الحكومية، والفرنسية في دول الساحل الأفريقي، وحتى تهريبها إلى مصافي دبي وبيعها هناك، الفيلم الوثائقي يشير بالإتهام للإمارات بإستيراد الذهب غير المشروع من الساحل الأفريقي. وأنها تسهل عملية دخول سبائك الذهب المهرب عبر منافذها الجمركية، والجوازات، وعبر الحقائب الشخصية العادية، ولا تتشدد في إجراءاتها، بحسب تقرير الفيلم الوثائقي.

وعرض الفيلم الوثائقي أيضاً في تقاريره، لكميات الذهب البالغة عشرات الأطنان سنوياً، تنقل أو تهرب إلى دبي من دول قارة إفريقيا، من بينها دولة مالي، وبوركينا فاسوا، والنيجر، والسودان والكونجو، وجنوب إفريقيا، وتصل قيمته سنوياً بمليارات اليورهات حسب التقرير، مبيناً أن عدم الاستقرار في هذه الدول، وحدوث الحروب الأهلية، وإنتشار المجموعات المسلحة المتطرفة، التي إنخرطت في الإنتشار في مناجم الذهب، هي المسؤولة عن رواج تجارة الذهب غير المشروع، ونقله إلى مصافي الذهب في دبي لتصفيته هناك، بدلاً من تصفيته في المصافي الشرعية داخل هذه الدول.

الاتهام المبطن للإمارات

وهو من وجهة نظري الشخصية، إشارة وإتهام مبطن للإمارات بمسؤولية دولة الإمارات عن مساعدة تفشي العنف، والحروب الأهلية في هذه الدول لإستغلال ذلك في الحصول على الذهب من هذه الدول، وتحقيق مكاسب وأرباح طائلة على حساب المصالح الفرنسية.

جاء ذلك بالتزامن مع بدء زيارة محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة لفرنسا ووصوله إلى باريس. ويبدو أن هذا الملف سيكون من بين الملفات التي سيبحثها الطرفين إضافة إلى ملفات الطاقة وغيرها.

تاريخ فرنسا مع الدول الأفريقية، وخاصة دول الساحل، تاريخ بشع يقوم على الاستغلال والنهب لثروات هذه الدول، وبخاصة في معادن الذهب واليورانيوم والنفط وغيرها، ورغم أن هذه الدول تعتبر من أكبر الدول المنتجة عالمياً لهذه المعادن، حيث أن فرنسا وأوربا تقريباً تسد معظم إحتياجاتها من هذه المعادن من الدول الأفريقية، ورغم ذلك تقبع معظم شعوبها تحت خط الفقر، وتعاني من إنعدام التنمية، وسوء مستوى المعيشة بين السكان، وعدم وجود بنية تحتية سليمة، وترجع معظم أسباب كل ذلك للطريقة الإستغلالية التي تنتهجها فرنسا مع هذه الدول، والتي تتلخص في الأتي:

  1. تحتكر الشركات الفرنسية ورجال الأعمال الفرنسيين إستخراج هذه المعادن مقابل أمول زهيدة وقليلة تدفعها للعمال المحليين، ولحكومات تلك الدول التي تبقيها مرتهنة لها.
  2. تشجع فرنسا تكون الحركات المتطرفة المسلحة، ورواج جرائم التهريب عبر الحدود، لكي تبقي هذه الدول محتاجه لها، ولبقاء قواتها الفرنسية منتشرة في هذه الدول، وبالتالي تستطيع فرض شروطها ونسبها التجارية مع المجالس العسكرية، وحكومات هذه الدول التي ساهمت في إيصالها للحكم.
  3. لا تقوم فرنسا بإتخاذ سياسة تنموية في هذه الدول، وتساعد في تقليل البطالة، وتقديم خدمات المياه والصحة، وغيرها لشعوب هذه الدول إلا ماندر، مقابل الثروات الضخمة التي تجنيها من هذه الدول والتي تقدر بعشرات المليارات من اليورهات سنوياً، وتتعمد في ذلك لكي توجه مواطنوا هذه الدول إلى الإلتحاق بمنظمات الجريمة المنظمة عبر الحدود وغيرها.
  4. رغم تعهد فرنسا المستمر خلال عشرات السنوات السابقة لهذه الدول بوضع حلول ناجعة لقضايا حفظ الأمن، وإنهاء النزاعات الداخلية، لكنها تماطل في إيجاد حلول لهذه الملفات لأسباب مصلحية، ولإبقاء هذه الدول ضعيفة، وتحت رحمتها وشروطها.

العلاقات الفرنسية المالية

ومن السياسات الاستعمارية التي تمارسها فرنسا من خلال الهيمنة على هذه الدول. مما دفع بالعديد من هذه الدول وحكوماتها إلى التعبير عن إستيائها من الممارسات والسياسات الفرنسية، بحيث أدى ذلك إلى حدوث توترات بينها وبين فرنسا وعلى رأس هذه الدول دولة مالي.

شهدت العلاقات الفرنسية المالية تواراً كبيراً خلال الأشهر السابقة، مما دفع بحكومة مالي إلى التعاقد مع شركات أمنية خارجية من بينها شركة فاجنر الروسية، بالإضافة إلى أن مالي عرضت على الشركات الأجنبية الخارجية، ومن بينها الروسية والصينية والأمريكية بالاستثمار فيها، في مجالات إستخراج اليورانيوم والنفط والغاز والذهب وغيرها، بدلاً من الرضوخ وإحتكار الشركات الفرنسية، وقد حصلت مالي على عقود ومبالغ ضخمة من هذه الشراكة، أكبر بكثير عما كانت تدفعه لها الشركات الفرنسية.

برأيي الشخصي، هذه الأوضاع دفعت بالعمال المحليين والتعاونيات المحلية في هذه الدول بحفر مناجم لها مستقله، وتقليدية لإستخراج الذهب بعيداً عن الرقابة الفرنسية، ولتبيع ذهبها لجهات وأطراف غير الشركات الفرنسية، ورجال الأعمال الفرنسيين، ليجنوا بذلك أرباح لا بأس بها بدلاً من إستغلالهم المستمر من قبل الشركات الفرنسية، وهذا الأمر جعلهم يصفون ذهبهم في مصافي دبي بدلاً من المصافي داخل هذه الدول، والتي يرجع ملكيتها لرجال الأعمال والشركات الفرنسية.

الخلاصة:

أولاً:

أتوقع أن تمارس فرنسا مزيداً من الضغوط على الإمارات في مجال تجارة الذهب مع إفريقيا بهدف تحصيل مكاسب أكبر من هذه التجارة. بالإضافة إلى ذلك، وكما سمعنا عبر وسائل الإعلام أن البلدين سيوقعان العديد من الاتفاقيات في مجال الطاقة وغيرها من المجالات.

ثانياً:

السياسات الاستعمارية والاستغلالية الفرنسية التي مارسها في دول الساحل الأفريقي وغيرها، لم تعد مجدية وأصبحت فاشلة ومكشوفة للرأي العام المحلي الأفريقي، وأصبحت الشعوب الأفريقية تنظر لفرنسا بكراهية، ويحملونها كل ما يحصل لهم من تدهور في حالتهم المعيشية والاقتصادية والسياسية والأمنية، وخلال أكثر من سنة شهدت علاقة فرنسا هزات كبيرة، وأستاءت علاقاتها مع كثير من هذه الدول الأفريقية بما فيها الدولة الجزائرية، في الطريقة الفرنسية في تناول أو التعامل مع ملف الطوارق في هذه الدول، على خلفية سياسة فرنسا في مالي والنيجر، والتي عدتها الجزائر بمثابة تهديدً لأمنها القومي، وأن مآسي شعوب هذه الدول، وعدم وجود بنية تحتية سليمة في هذه الدول تقدم خدمات للمواطنين، وترفع من مستوى معيشتهم، سببه الأول السياسات الفرنسية القذرة في هذه الدول.

وأخيراً

ومالم تعيد فرنسا صياغة مشروعها السياسي تجاه هذه الدول بما يتناسب وتحقيق المصالح العادلة لكل الأطراف، فإن شهر العسل الفرنسي في هذه الدول قد ولى، والأمور مرشحة أكثر لدخول دول أخرى منافسة لها فيها، وعلى رأسها أمريكا والصين وروسيا وغيرها، والتي بدأت نشاطها فعلاً على أراضي هذه الدول.

Comments are closed.