المنتدى الدولي “إنسانيات” من أجل إعادة الاعتبار للبحوث في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعيّة بالمغرب الكبير والمناطق العربية والأوروبية والأفريقية، اختتم فعالياته بتونس

المنتدى الدولي “إنسانيات” من أجل إعادة الاعتبار للبحوث في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعيّة بالمغرب الكبير والمناطق العربية والأوروبية والأفريقية، اختتم فعالياته بتونس

احتضنت تونس تظاهرة دولية مهمة، منتدى “إنسانيات”، والذي دارت فعالياته بالمركب الجامعي بمنوبة، ومدينة الثقافة الشاذلي القليبي بتونس العاصمة، نظمته جامعات منوبة وتونس المنار وتونس، ومعهد البحوث المغاربية المعاصرة و” المجتمع ذو الاهتمام العلمي للشرق الأوسط والعوالم الإسلامية”، وجماعة البحث في الشرق الأوسط والعوالم الإسلامية، ومؤسسات علمية أخرى، وجمعيات أكاديمية وثقافية من 20 إلى 24 سبتمبر 2022.
ومن بين أهداف هذا المنتدى إعادة الاعتبار للبحوث في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعيّة بالمغرب الكبير، وغيره من المناطق العربية والأوروبية والأفريقية، وشملت برمجته عدداً هاماً من المحاضرات والموائد المستديرة، وقد شارك في تقديم ورقاتها شخصيات علميّة مرموقة، وذلك إلى جانب تنظيم ورشات بحثية، ولقاءات وعروض لأفلام مشفوعة بنقاش بحضور صناعها، وكذلك سهرات موسيقيّة ومعارض للفنون التشكيليّة.

قضايا حارقة في راهننا منها ظاهرة طفرة الإنتاج السردي في العالم العربي:

مائدة مستديرة بعنوان ” قضايا حارقة في راهننا منها ظاهرة طفرة الإنتاج السردي في العالم العربي”، أثرت برنامج المنتدى، أدارها الأستاذ شكري المبخوت، ممثلاً عن جامعة الشيخ زايد (الإمارات العربية المتحدة)، ومشاركة عدد من الأقلام الأدبية من نخبة الجامعة التونسية، وهم: أميرة غنيم، هند الزيادي، سامي المقدّم، محمّد الحباشة، هاجر رابعي.
وفي المؤتمر العلمي لإنسانيات حول دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا والمتوسط، وهو مكون بحثي رئيسي شمل أكثر من 120 ورشة في مختلف فروع علوم الإنسان والمجتمع، تم تناول مضامين تتعلق بـالأرشيف بين الجماليات والمُمارسات، وذلك تحت إشراف الأستاذة منيرة بن مصطفى، والأستاذة رشيدة عقيل، وكشفت هذه الورشة عن الأبحاث الجديدة في منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط، وحوض المتوسط، في العلوم الإنسانية والفلسفة المطبقة على الفنون والتصميم.
كذلك تم خلال المنتدى طرح مواضيع تهم اللسانيات العربية والترجمة وتعدد الألسن، التعريب، كتابة تاريخ المغرب والشرق الأوسط: دور المصادر وأخرى عن الراهن المتأزم منها ورقات عن إعادة دمج العراق: إمكانيات وعوائق الربيع العربي؛ بعد عشر سنوات: الاحتجاجات والنشاط الاجتماعي والسياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، العنف والمقاومات في سياق الأزمة، وجهة نظر عابرة للأوطان انطلاقاً من العلوم الإنسانية، الأدبيات الرمادية: تفعيل الأبحاث حول الأقليات والمجموعات المهمشة في تونس، مقاومة التهميش في أوقات الأزمات، سياسات النوع والعرق والإثنية والعمر في اليمن أزمة الترابية، المتأزمة الحدود التونسية الليبية: من أزمة التثبيت إلى أزمة الغلق المتكرر، وغيرها من المضامين الفكرية القائمة على علوم الإنسان والمجتمع.
وضمن لقاءات المخصصة للترجمة، وتنقل المعارف بالألسن المتعددة تم تنظيم مائدة مستديرة عن:

إبراز جهود الأكاديميين في تعريب معاجم موسوعية وصنع معاجم مختصة:

تجربة معهد الترجمة لدائرة المعارف الإسلامية، وتم إبراز جهود الأكاديميين التونسيين في تعريب معاجم موسوعية، وصنع معاجم مختصة، كما كان للتراث نصيب من النقاش في مائدة مستديرة، الحفاظ على التراث وتمثيله.
وفي محور الأدب والأزمات، أدار الأكاديمي سمير مرزوقي ندوة فكرية سلطت الضوء على عدد من الكتابات منها: القصائد الملحمية الفرنسية، التي تقدم من وجهات نظر مختلفة ضعف الملك (لويس الأوّل ابن شارلمان) أمام النفوذ المتنامي لحكام النظام الإقطاعي، وفي هذا النطاق تصيغ النصوص الأدبية بطلاً متميزاً مكلفاً بمهمة حماية مشروعية نظام الملك الوراثي، فيما تكشف ورقة خيال الأزمة في البحر، لجول ميشلي، عن ملامح الثورات البشرية والطبيعية، ولا يلبث الكاتب المتشبع بالنظريات التحولية والكوارثية، إلى أن يتطرق لمختلف الأزمات التي تطرأ على الطبيعة، وعلى الإنسان على حد سواء.
وفي مداخلة أزمة اجتماعية، أزمة أسرية في النمط القصصي الإجرامي في عصر النهضة، يتم تناول تيمة الإجرام في الأدب الفرنسي خلال الربع الأخير من القرن السادس عشر، حيث كان لهذا الاهتمام صلة مباشرة بالسياق الاجتماعي والسياسي لتلك المرحلة، التي شهدت فيها فرنسا تمزقاً بسبب الحروب الأهلية بين البروتستانت والكاثوليك.

التحولات العميقة للظاهرة الدينية طيلة القرنين الماضيين:

شارك في الورقات العلمية لهذه الندوة الدولية كل من الأستاذ عبد المجيد الشريف، بمداخلة عن تحولات الظاهرة التوحيدية في العصر الحديث، ومن فرنسا الأستاذة الجامعية أولغا لزيني، بورقة الفلسفة العربية تاريخها وما كتب منه. واستعرض الأستاذ عبد المجيد الشريف التحولات العميقة للظاهرة الدينية في اليهودية والمسيحية والإسلام طيلة القرنين الماضيين، وكيف قطعت هذه المتغيرات مع ما كان سائداً فيها منذ استقرارها، في مجالات العقائد والطقوس والممارسات الاجتماعية. وذكرت الورقة العلمية أن هذه التحولات أثّرت تأثيراً عميقاً في سلوك الأفراد والجماعات على السواء، لكنها من غير المفكّر فيه في أغلب الأحيان، إذ يسود الشعور لدى المؤمنين بأنّهم في تواصل لم ينقطع مع ما كان عليه التديّن باستمرار، كما أن هذه التحولات لم تكن في اتجاه واحد، بل اختلفت بحسب العوامل التاريخية والحضارية.

المحطات الكبرى للبحوث والدراسات المتعلقة بالمجتمعات المغاربية ما بعد الاستعمار:

وفي مداخلة الباحثة التونسية الفرنسية المتخصصة في التاريخ المغاربي، جوسلين دخلية، حملت عنوان في انفساح الطريق: مسار تحرير في العلوم الاجتماعية عادت من خلالها جوسلين دخلية إلى مقاربات العلوم الاجتماعية الباحثة في علاقة المغرب الكبير بالغرب، وكشفت في جانب منها عن المحطات الكبرى للبحوث والدراسات المتعلقة بالمجتمعات المغاربية ما بعد الاستعمار (المرحلة الكولونيالية)، كما تناولت التغيير العميق في هذه المجتمعات في ظل السياقات العلمية الجديدة. ومن بين متغيرات علاقة الجنوب المسلم بالغرب مسألة التعريب، والتي ترى جوسلين دخلية أنها لم تكن قراراً سياسياً فحسب فهناك أكاديميين دعموا هذا التوجه.
أما المحاضرة التي ألقاها الأكاديمي حسن رشيق ممثلاً عن جامعة حسن الثاني بالدار البيضاء (المغرب)، فقد جاءت تحت عنوان تحديات وموارد العلوم الاجتماعية في المغرب الكبير، وطرح خلالها مسألة محدودية الموارد البشرية والمادية في العلوم الاجتماعية، مؤكداً أن التحدي الرئيسي يتمثل في ضعف هيكلة البحث، وهيمنة الباحث المنفرد والمنعزل، وآثاره السلبية على جودة المنشورات، وكذلك على تطوير الأجندة العلمية فيما ربط التحدي الثاني بندرة الدراسات العامة النقدية حول حصيلة الممارسات الأكاديمية، وإنتاج المعرفة في العلوم الاجتماعية. وشدد الجامعي حسن رشيق على ضرورة التفكير بعيدًا عن المشاعر الإيديولوجية والسياسية، مقراً بأن الخطر الكبير يكمن في إضفاء طابع إقليمي على العلوم الاجتماعية، بمعنى أن الباحثين يكتفون بالتعامل مع القضايا المحلية بمعجم محلي لا يفهمه إلا الباحثون المحليون.

استخدام مفهوم الأزمات في العلوم الإنسانية والاجتماعية:

وبدوره ناقش عالم الاجتماع والمؤرخ الجزائري، حسن ريمون، استخدام مفهوم الأزمة (الأزمات) في العلوم الإنسانية والاجتماعية، مذكراً بالأصول اليونانية لمصطلح أزمة واستخداماتها الحديثة في الاقتصاد والطب والتاريخ، وغيرها من المجالات. مسلطاً الضوء على هيكل الأزمة، الذي يكون في معظم الأوقات نتيجة للحركات الاجتماعية مشيراً في ذات السياق إلى المواقف المختلفة للفلاسفة من مفهوم الأزمة. وبخصوص القانون في حالاته المتأزمة كان موضوع مداخلة الأستاذة سناء بن عاشور، حيث ربطت بين قانون ما قبل الأزمة، وقانون ما بعد الأزمة وديناميكيات ما قبل الأزمة، وديناميكيات التعديلات، كما تناولت الأزمات، التي يمكن أن تنير القانون علماً، وأن كل أزمة تكشف عن فجوة، وبالتالي أي غياب في الاحتياجات الاجتماعية بعد حالة من التردد فالمسألة هي ترسيخ مفاهيم جديدة في القانون، في كل مرة فيما يتعلق بهذه الأزمات المتعددة التي تؤثر علينا.
أما الأستاذ هشام الريفي، فقد قدم عرضًا لكتاب، استجماع الذاكرة من تاريخ الإنسانيات في الجامعة التونسية; وهو أثر فكري عن تاريخ العلوم الإنسانية بتونس، شارك في مضامينه عدد من الأكاديميين من بينهم عبد الجبار بسيس، حسين الجعيدي، نور الدين دوقي، رياض بن رجب، سامي بن عامر، سمير مرزوقي، خالد قصير، العربي شويخة، طاهر بن جيزة، وغيرهم من الباحثين والجامعيين التونسيين.

مساحة هامة للفنون والثقافة والأدب في منتدى إنسانيات:

كما خصص المنتدى الدولي، إنسانيات، مساحة هامة للفنون والثقافة والأدب في برمجته، عبر خيارات تراهن على التعبيرات الإبداعية المغايرة والحديثة، وفي سياق هذه التصورات البديلة أسس مهرجان أفلام إنسانيات جانباً من العروض الفنية، كانت إشارة انطلاقتها، فيلم عصيان، أحدث أعمال الجيلاني السعيدي، صاحب التانيت البرونزي لأيام قرطاج السينمائية 2021، فيما تراوحت بقية العروض السينمائية بين أعمال تطرح قضايا في علاقة بتحديات راهن يتخبط في أزمات فكرية، اجتماعية وسياسية وأخرى كان لها وقع خاص ومؤثر في مسار أيام قرطاج السينمائية منذ تأسيسها سنة 1966.
ومن بين هذه المقترحات السينمائية في المنتدى الدولي إنسانيات، تم عرض في قاعة الطاهر شريعة، بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي، ثلاثة أفلام قصيرة للسينمائية المصرية الراحلة، عطيات الأبنودي وهي حصن الطين، الساندويتش، أحلام ممكنة، ومن إنتاجات السينما التونسية، عرب للفاضلين الجعايبي والجزيري، الهائمون للناصر خمير، آخر واحد فينا لعلاء الدين سليم… ومن خارج تونس يعرض فيلم محمد ملص أحلام المدينة؛ فيليسيتي، للمخرج السينغالي آلان غوميس، فيلم المغربية ليلى الكيلاني على الحافة، وفيلم خضر عيدروس أحمد، زوجة حفار القبور، الذي كان أول عمل يرشح باسم الصومال للأوسكار سنة 2021، وتوج بطله بجائزة أفضل ممثل في أيام قرطاج السينمائية في دورتها الثانية والثلاثين. والتقي الطلبة وعشاق الفن السابع بكلیة الآداب والفنون والعلوم الإنسانية بمنوبة، وتحديداً بمدرج ابن خلدون، بعدد من صناع الأفلام للنقاش والتفاعل ومن بين العروض، فيلم فاطمة لسلمى بكار، احكي يا عصفورة لعرب لطفي، الأرض تتكلم العربية لماريس قرقور، أصوات نساء من دمشق لرندي دقلهام، ومنطقة النفي الأوزاعي لروبى قايدبي.

المتاحف العربية كحافظة للذاكرة الإنسانية:

وأفرد منتدى إنسانيات حيزاً هاماً للندوات الفكرية، وجلسات الحوار حول الفنون وتحديات القطاع الثقافي ورهاناته في واقع متأزم عبر عدد من المحاور والأطروحات، والمقاربات البحثية، منها: مداخلة الأستاذ الجامعي سامي بن عامر المتحف الفني، كحافظ للذاكرة الإنسانية ومؤسس لها: قراءة في بعض المتاحف العربية، وتساءل عن مشروعها الثقافي؛ وتطرق خلالها إلى دراسة مفهوم المتحف، وهدفه الأساسي حفظ الذاكرة الإنسانية انطلاقاً من موقع جغرافي وثقافي محدّد مشيراً إلى أن تعريف المتحف اليوم لم يعد يقتصر على هذه المهمة، إذ وفقاً لمعايير ضبطها التجمع العالمي للمتاحف من المهم ترسيخ الأبعاد العلمية والتربوية والابتهاجية للمتاحف، والتي تساهم في تمتين العلاقة بين العمل الفني والجمهور، ليؤسِّس بذلك صناعة هذه الذاكرة الإنسانية.
وعن إشكاليات المتاحف الفنية العربية ووضعيتها اليوم، شدد الأستاذ سامي بن عامر على دور الحواجز السياسية الاستعمارية والثقافية والمّادية في إعاقة عملية تطور مفهوم المتحف اليوم، كما دعا للاهتمام بالفنون البصرية في الحياة الثقافية والتعليمية والتربوية والاقتصادية، وحثها على النظر في مشاريع ثقافية وطنية تستجيب لاحتياجاتنا الفنية والتكنولوجية والمجتمعية الجديدة.

ندوة الإنتاج السينمائي في العالم العربي من الفكرة إلى التوزيع:

ومن المداخلات في منتدى إنسانيات، عن إمكانات السينما في التعبير، التعرية والتحرر كانت ورقة للأكاديمية هند حوالة، تحت عنوان، تمثيل السّلطة في السّينما التّونسيّة: 2011 وبعد؟ وتعود صاحبة المداخلة لخارطة العالم العربي السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة خلال العشرية الأخيرة، وذلك عقب انتفاضات شعبيّة انطلقت من تونس سنة 2011. وفي إطار هذه الديناميّة، حققت السينما الانتقال الأكثر بروزاً في الفنون جميعاً نظراً إلى ما فيها من طاقة ووساطة بين معيش الشعوب وهويّاتها الثقافيّة.
ومن البرامج، التي شهدت متابعة واهتمام من الفاعلين في الشأن الثقافي، وخاصة السينمائي، ندوة الإنتاج السينمائي في العالم العربي، من الفكرة إلى التوزيع، وشاركت في طرح مضامينها جامعيات وخبيرات في المجال الثقافي، وهن: عزة شعبوني، مريم زرزري وصفاء هلالي…

معرض للكتاب في مختلف فروع العلوم الإنسانية والاجتماعية والمنشورات العلمية:

على هامش النشاط العلمي لإنسانيات، نظم ببهو مدينة الثقافة الشاذلي القليبي معرضاً أول للكتاب في مختلف فروع العلوم الإنسانية والاجتماعية، ومساحة ثانية لعرض المنشورات العلمية لمختلف مؤسسات وجامعات التعليم العالي التونسية، بالمعهد العالي لفنون الملتيميديا بمنوبة.
ومن البرامج المتفردة للمنتدى الدولي إنسانيات، معرض للحرفيين التونسيين بعنوان بالتونسي، المعرض البيئي ومعرضاً للفنون الرقمية. الموسيقى بإيقاعاتها المختلفة من روك، بوب ومقامات تونسية وشرقية، منحت حماساً أكبر لمتابعي إنسانيات وضيوفها لاكتشاف ألوان متجددة من الفنون وتعبيراته الإبداعية.
فعلاً لقد حققت إنتظارات كبيرة في هذه الدورة التأسيسية من حيث مشاركة 40 دولة من أفريقيا والعالم، وتضمنت برنامجاً ثرياً في العلوم الإنسانية والاجتماعية، بمفهومها الواسع والشامل، كالتاريخ والجغرافيا والفلسفة والاتصال والإعلام، وكانت موعداً مع ندوات فكرية ومعارض وعروض موسيقية ومسرحية على مدى 4 أيام. ثم أن هذا المنتدى كان حدثاً ذو إشعاع عالمي غير مسبوق، حيث كانت الإنطلاقة من تونس على أمل أن تكون الدورات القادمة في عدد من بلدان العالم، بهدف الجمع بين الباحثين من مختلف دول العالم، لخلق فرص للتبادل المعرفي وربط صلات بين التونسيين وضيوف هذا المنتدى، من طلبة وباحثين وموسيقيين وفنانين، للتأكيد على أهمية العلوم الإنسانية والاجتماعية في تكوين الأجيال القادمة…

Comments are closed.