لماذا لا يتعاون العرب؟ العرب بين الانقسامات الداخلية والتعاون على التدمير
كثيراً ما يطرح هذا السؤال علي، لماذا لا تعاون العرب مع بعضهم البعض، من قبل بعض الأصدقاء الأجانب، وكلما فكرت بالإجابة على هذا السؤال وجدتني بحاجة إلى وقت كبير، لأن الخوض في مثل هذا الموضوع معقد للغاية، ويعتمد على عوامل تاريخية، سياسية، اقتصادية، واجتماعية.
قمت بوضع النقاط الضرورية التي يجب مناقشتها، وجمع المصادر بشكل سريع، حتى تكون جزءً من الجواب، لفهم المسألة بشكل شامل، ويمكن للباحثين لاحقاً الاعتماد عليها في بناء فكرة واضحة في محاولة الإجابة على، ماهي أسباب عدم تعاون العرب مع بعضهم البعض؟
والحقيقة، أن كل نقطة من النقاط التاليةن هي مشروع لبحث واسع كبير، قد خاض به الكثير من المفكرين سابقاً على مختلف مشاربهم وانتماءاتهم. أرجو أني قد وفقت في هذا الاختصار الشديد في الإجابة.
وحتى أكون منصفاً أوردت في آخر المقال الرد على من قال إن العرب لا يتعاونون؟ أوضحت فيه تعاونهم خلال الأزمات الأخيرة التي مرت بالأمة لا تنسى متابعة القراءة
1. التقسيم الاستعماري ودوره في تمزيق الوحدة العربية
بعد انهيار الدولة العثمانية في أوائل القرن العشرين، قسمت القوى الاستعمارية، بريطانيا وفرنسا، المنطقة العربية وفقًا لاتفاقية سايكس-بيكو (1916). هذه الاتفاقية رسمت الحدود بين الدول العربية الحديثة بما يخدم مصالح تلك الدول.
- الهدف كان إنشاء دويلات صغيرة وضعيفة يسهل التحكم فيها.
- تم غرس بذور النزاع بين الدول عن طريق قضايا مثل الحدود والصراعات العرقية والطائفية.
مصادر:
- Anderson, L. (2005). “The State and Social Transformation in Tunisia and Libya, 1830-1980.” Princeton University Press.
- اتفاقية سايكس-بيكو المكتبة البريطانية.
2. دور الأنظمة الحاكمة
- ترك الاستعمار أنظمة موالية للمصالح الغربية، حيث اعتمد العديد من القادة العرب على دعم القوى الأجنبية للحفاظ على حكمهم.
- ضعف المؤسسات الديمقراطية، وسيطرة الاستبداد حال دون بناء أنظمة قادرة على تعزيز التعاون الإقليمي.
أمثلة:
- دعم الغرب للأنظمة التي تحافظ على مصالحه الاقتصادية (مثل النفط).
- الانقلابات المدعومة خارجيًا التي حالت دون تحقيق استقرار داخلي (مثل انقلاب إيران 1953 كنموذج مشابه).
مصادر:
- “Oil and State Power in the Middle East” by B. T. Simmons.
- تقرير “مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط” (POMED).
3. الأيديولوجيات والصراعات الداخلية
- تصاعد القومية العربية في منتصف القرن العشرين (مثل حقبة جمال عبد الناصر) لم يخلُ من تدخل خارجي لكبح هذه التحركات.
- تفاقمت الانقسامات بسبب الصراعات الطائفية والإثنية، والتي غالبًا ما غذتها القوى الخارجية لتعزيز الانقسام الداخلي.
أمثلة:
- دعم الغرب لحركات معارضة، أو طوائف معينة داخل الدول لضمان بقاء الدول العربية ضعيفة ومنقسمة.
- الصراعات الخليجية-الخليجية كمثال على الانقسامات الناتجة عن اختلاف المصالح الاقتصادية والسياسية.
مصادر:
- كتاب “The Iron Cage: The Story of the Palestinian Struggle for Statehood” by Rashid Khalidi.
4. دور القوى الغربية في العصر الحديث
- استمرار التدخل الغربي في السياسة العربية، سواء عبر دعم الأنظمة أو من خلال التدخلات العسكرية (العراق 2003، ليبيا 2011).
- فرض السياسات الاقتصادية التي أضعفت التكامل العربي، مثل اتفاقيات التجارة الحرة التي تزيد التبعية للأسواق الغربية.
مصادر:
- Naomi Klein, “The Shock Doctrine: The Rise of Disaster Capitalism”.
- تقارير منظمة العفو الدولية بشأن التدخلات الغربية في الشرق الأوسط.
5. غياب التعاون الاقتصادي والسياسي
- ضعف التكامل الاقتصادي العربي مقارنة بمناطق أخرى مثل الاتحاد الأوروبي.
- غياب رؤية مشتركة بين الدول العربية لتعزيز التعاون السياسي في ظل النزاعات المستمرة (مثل الخلاف الخليجي، الثورة السورية، الأزمة اليمنية).
مصادر:
- تقرير “التنمية الإنسانية العربية” (UNDP).
الخلاصة
عدم تعاون العرب يعود إلى مزيج من العوامل الخارجية (الاستعمار والتدخل الغربي)، والداخلية (غياب الديمقراطية والأنظمة العميلة). القوى الاستعمارية لعبت دورًا كبيرًا في تفكيك المنطقة العربية، وتركت إرثًا من الانقسامات، لكن المسؤولية لا تقع بالكامل عليها. الإصلاح يبدأ بتعزيز الديمقراطية، وبناء مؤسسات قوية مستقلة عن التدخلات الأجنبية، مع التركيز على تطوير اقتصاد وتكامل عربي مشترك.
ومن قال إن العرب لا يتعاونون؟
الحكومات العربية أثبتت قدرتها الخارقة على التعاون، ولكن للأسف، ليس في صالح شعوبها.
سوريا
خذ سوريا كمثال: الإمارات، في إنجازها التاريخي، ضخت 30 مليار دولار خلال العقد الماضي لدعم “استقرار” نظام بشار الأسد. BBC
وماذا عن السعودية؟ بالطبع، كانت في الصف الأمامي جنبًا إلى جنب مع مصر والأردن والعراق، الذي أرسل الميليشيات الطائفية على طبق من ذهب للدفاع عن النظام “المقاوم”.
الدعم الدولي
ولأنهم يحبون العمل الجماعي، كان الدعم الدولي حاضراً! الولايات المتحدة أظهرت “حكمتها” بمنع وصول مضادات الطيران للثوار، تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب”.
وبالطبع، الإرهاب هنا يعني كل من له علاقة بالإسلام السياسي، كالإخوان المسلمين، حزب التحرير، أو أي فصيل يحلم بمجرد إصلاح.
ليبيا والسودان
الإمارات والسعودية لم تكتفيا بسوريا، بل توّجتا التعاون العربي بدعم حفتر ضد الحكومة الشرعية في ليبيا. AA
ووسعتا نطاق “الإحسان” بدعم قوات الدعم السريع بقيادة حمدتي في السودان، تلك القوات التي تفننت في إهلاك الحرث والنسل. Al JAZEERA
الحملة الجوية الروسية
ولا ننسى التمويل السخي للحملة الجوية الروسية، من أواخر 2015 حتى 2017، التي قصفت المستشفيات والمدارس والأسواق في سوريا، بدعم إماراتي كريم!
وكأن الشعب السوري لا يكفيه الدمار الذي تكفل به النظام، فجاءت الطائرات الروسية لتكمل المهمة بمباركة عربية ودولية شاملة.
التعاون العالمي
والتعاون، طبعًا، لا يكتمل إلا بمباركة عالمية من الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إسرائيل، وباقي الأطراف “الطيبة”.
إنجازات تاريخية في مكافحة الإرهاب… أو بالأحرى في محاربة الشعوب وثوراتها.


